وهناك دائما كومة من التساؤلات تُمَرِّغُ عقولنا بالتساؤل والتَّقَصِ، فتجعل المشاعر تُسيطر على الحواس فيصبح الملاذ الوحيد هو فك طلاسم ذاك السؤال بالإجابة عنه إجابة تُشبع الفضول…؛لا سيما إن ظل السؤال ملازم لك لسنواتٍ عِدَّة…تركت القلم من يدي، وأسندتُ رأسي على حافة الكرسي مُتَّكِأة عليه،…ظللتُ شاردة أسبح في بحور أسألتي عَلِّي أجد الإجابة التي أنتظرها بصبوة كبيرة ،لا أدري كم استغرقت من الوقت على هذا الحال!! انتشلني من ثباتي ذاك الصوت الغريب الذي يبدو أنه صوت رفرفة أجنحة، وجهت نظري إلى الخلف لأرى ولكن الإندهاش كان أَجْدَب من أن ألفظ حرفا واحدا،هببتُ مُمتثلة كهب الريح ولكن قدماي استوطنت الأرض آبية الحراك..
.دارت في نفسي أسئلة استحوذت علي عقلي فجعلته عاجز عن التفريق بين الحقيقة والخيال
هل أنا في حلم؟!أم أنا أقف على أرض غرفتي؟!
هل ما آراه واقعيا؟! أم أوجست بي الأحلام والتخيلات؟!
حملقتُ مرة ثانية، فإذا بي أرى ما رأيته منذ قليل كتاب قد تسلل من بين قرنائه حائما وكأنه طير حر طليق لا يعرف للتكبيل معنا وفوجئت بتطاير صفحاته ومازاد عجبي توقفه عند تلك الصفحة وبالأخص تلك الجملة التي تلألأت حروفها بهاء “إن كنت تريد زجر حيرتك…وإن كنت تريد إجابة لأسئلتك فاقفذ في عالم الكتب” هرولت بخطوات مرتجفة نحو الكتاب، ولكن في غضون دقائق وجدت نفسي في عالم مبهم!! عجز لساني عن وصفه
…كتب منثورة في كل مكان،حتى عبير الكتب تجانس مع الهواء فأحدث طربا جميلا…الأرض مُفْعَمَة بالكتب وكأنها تدفع الكتب دفعا،السماء بيضاء بلون صفحات الكتب..كل شئ في هذا العالم كتب
حينها شعرتُ بقيمة الكتب كثيرا وتحسرت عن كل ثانية تركتُ فيها الثرى ينهش الكتب
أطلقت نظري صَوْب المكان، وشرعت في التجول وتفحص الأرجاء ،وكان همي الأول والأخير هو الإجابة عن جميع أسألتي التي احتلت منصب تفكيري….جذب انتباهي عنوان كتاب ما أعتقدتُ أنني ربما أفوز فيه على إجابة ناجعة فكان عنوان الكتاب”الإسلام بين الشرق والغرب”اقتحمتُ الكتاب بصبابة أصابت مهجتي لمعرفة إجابة لأسئلتي والأهم سؤالي:لماذا الصراع ضد الإسلام بعينه فهناك ديانات أخرى مثل المسيحية واليهودية وغيرها كما يزعمون؟!
انسلَّت عيني بين كلمات الكتاب أملا في نيل ضالتي…ولكن اندسَّ صوت في أذناي …صوت جمهوري بل أصوات جعلتني أترك الكتاب من يدي توا وأركض نحوها…
لِأندهش على حين غِرَّة ماذا؟! أيُعقل هذاأهناك بشر مثلي في هذا العالم؟! فلقد غلب على ظني أنني الوحيدة في هذا العالم فلَم أكُ أعلم أن هناك مَن تهور وأَسْكَبَ نفسه في عالم المغامرات هنا مثلما فعلت أنا ،إلتفتُ نحوهن لأجد نظرهن مصوب عليَّ…إضطربت قليلا وأنا أُبادلهن نظراتهن لكن واحدة منهن يبدو أنها مُسَيرتهن تقودهن وترأسهن ويربطهن بها رباط وثيق ،لمستُ فيها طيبتها التي جعلتني أتعلق بالرحلة،وأزداد إصرارًا ،أمسكت يدي برفق وباليد الأخرى مُمسكة بخريطة يبدو أنها خريطة المكان، ثم دفعتني نحوهن لأجد إبتسامة لطيفة تُداعب ثغرهن ثم قالت رحالة منهن لي:مرحبا بالرحالة المقدامة…أهلا بكِ في عالم الكتب..عالم العجائب!!
وأردفت أخرى :دلفتِ إلي هنا لزجر حيرتك وأيضا لتقطعي حبل التساؤل بالإجابة أليس كذلك؟!!
نظرتُ إليها بتعجب قبل أن أخرج عن صمتي الذي دام طويلا قائلة: نعم لكن كيف عَرِفتي أنتِ؟! لم أَكَد أُنهي جملتي حتى قاطعتني قائلة:لأننا وكلنا جمعنا القدر من أجل نفس الهدف..
فقلت لها:وما السبيل لذلك؟!
أجابتني:فلتنضمي إلينا ولكِ ما بغيتي
تجمعت كل الرحالات وأنا بينهن وبدأن في استعراض سحابة الكلمات والخريطة الذهنية ،وتناقشنا حول كيفية إيجاد إجابة منطقية لجميع الأسئلة التي تضُج تفكيرنا
وبعد ذلك طَفِقَت مُسيرتنا الجميلة بإنهاء الإجتماع قائلة :هيا أيتها الرحالات فلتنطلق كلٌ في دربها لِتُحَصحِص الإجابة التي توارت عنها…بَرحتُ المكان والحيرة والدهشة لم تفارقني، وشردتُ في أسئلتي طويلا مفكرة مرارا وتكرارا عن الإجابة التي تركَتْ في شوقي أثرا عميقا… قررت أن أشُدَّ على همتي وأضاعف البحث بعد أن بدأتُ هِمَّتي بالتراجع،فاستعدتُ رباط جأشي ومضيتُ أبحث قُدُما،وقع نظري على رجل عجوز اشتعل رأسه شيبا ويبدو عليه الحكمة والدهاء،كان يمسك بكتاب يطالعه بتركيز شديد ،يأخذ ركنا صغيرا يأوي إليه جسده الهزيل،فذهبتُ إليه لِأسألَه وأنا أرجو أن يفيدني فقلت له:مرحبا أيها الجد
نظر لي وهو يغلق الكتاب:مرحبا بُنيتي
قلت له:هل لي بسؤال؟!
قال :تفضلي
قلت:إني أحْسَبُكَ على خلق وعلم، وأرى فيك الحكمة فهل لك أن تُزيح عني الحيرة!! وتجيبني على أسئلتي؟؟ وأردفتُ مُكمِلة لماذا الصراع والحرب ضد الإسلام؟!لماذا يُحارِب العالم وأولهم الغرب الإسلام؟! ولماذا ظل الصراع متتاليا منذ أن بدأ وحتى الآن؟!
تَنَهَّدَ المُسِنُّ قبل أن يجيب:منذ قرون وقبل أن يُنير الإسلام العالم، كانت الديانات الآخرى راسخة في الشرق الأوسط لفترة من الزمن وبعد ذلك وفجأه ظهر دين جديد وهو الإسلام ،وعندما نزل الوحي علي النبي (ص) وبدأت رحلة تبليغ الإسلام ليس في الشرق فقط بل لأبعد الحدود
قلتُ في نفسي وقد بدا عليَّ علامات الحيرة أيُعقل هذا؟! أحقا كل هذا الكره تجاه المسلمين؟! ألإن الإسلام ذاع صيته في كل مكان على وجه الأرض وليس الشرق الأوسط فقط؟!فهل الكفار هم أكثر عداوة للإسلام ؟!
فسألته: وكيف هذا؟!
فأجابني:هم لم يعترفوا بالإسلام ولم يُصدقوه؛بل نبع عدم الإعتراف والتصديق به من رجال دينهم الذين خَشو على مناصبهم، ومكاسبهم الدنيوية وتَأَكَّدَتْ هذه العداوة من رجال دينهم حين قادوا الحملات على مدى مائتي عام
شكرته ثم أكملت رحلتي لِأبحث عن طرف الخيط الذي يوصلني بالإجابة، فلقد صدَّقتُ كلامه كثيرا واتفقتُ معه ،ولكني جَزَمتُ بأنني لابد أن أبحث أكثر وأكثر وأضاعف جُهودي حتى أحصل علي الإجابة كاملة ومن كل جوانب السؤال،فللفضول حق بالإشباع…
سافرت بالزمن إلى الماضي حينما تشبث السؤال بخاطري، عندما رأيت العالم من حولي يصارعون الإسلام وبشدة فمثلا:عندما يبذلون قصارى جهدهم في محاربتهم للزي الشرعي والحدود الشرعية بين الجنسين ، فبعدما رأت عيني بل حواسي كل هذا من حولي، تسائلت كثيرا لماذا الصراع ضد الإسلام؟!ومتى بدأ هذا الصراع ولماذا وهكذا وعندما بدأت أبحث في الكتب عن إجابتي استحوذ عليَّ سؤال آخر: لماذا تصمت الأمة العربية عن كل هذا؟! لماذا لا تصحو من غفلتها التي آلت إلى أن تهوي بنا جميعا إلى النار،لماذا لا تضع حدا لهذا عندئذ قررت أن أدخل رحلة تساؤل لأجاوب عن أسئلتي تلك ولأنني أيقنت أنها ستُساعدني في فك طلاسم أسئلتي، أفَقتُ من شرودي الذي رَشَقني في حُفَر الماضي ،وأنا قد رويت جزء من فضولي جعل الضجة التي أشعلتها تساؤلاتي بعقلي تهدأ قليلا قررتُ أن أستجم وقتا من الزمن وأغفو قليلا حتى أُكمل رحلة بحثي وأُشبع فضولي كله إشباعا كافي، ومن هنا فلا ولم ولن تنتهي رحلتي بل سأظل أُبحر في بحور أسئلتي وأبحث عن قارب النجاه الذي سيوصلني إلي الإجابة التي تُشبع فضولي…..
***********************************
وتبقى رحلة تساؤل العالم الذي يفتح المجال للمتسائلين ليخوضو مغامرات وتحديات تعينهم على إشباع فضولهم والإجابة على بحور التساؤلات التي غرقوا فيها…فمن خلال رحلة تساؤل تعلمت الكثير والأهم هو أنني بعد الآن لن يقف أمامي سؤال إلا وأنني سأكون أول المسافرين إلى عالم الإجابة على أسئلتي…….